سنعرض برامج الإصلاح المالي الذي اتخذته الجمهورية اليمنية ضمن إطار برامج الإصلاح المالي والإداري
والاقتصادي؛
للوقوف على ما جرى تنفيذه من إصلاحات اقتصادية خلال المدة الماضية عن طريق تحديد جوانب النجاح ومواطن
القصور
ومصادر القوة ونقاط الضعف بما يمكن من تعزيز النتائج الإيجابية وضمان استدامتها والحفاظ عليها، وفي
الوقت نفسه
التخفيف من الآثار السلبية الجانبية، فضلًا من الاستفادة منها في إصلاحات المرحلة القادمة التي تتطلب
رؤية
اقتصادية جديدة وسياسات وإجراءات أكثر فاعلية -تأخذ في الحسبان معطيات الواقع الاقتصادي وطبيعة التحديات
التنموية -تسهم في الدفع بعملية التنمية بوتيرة عالية.
إن تنامي عجز الموازنة العامة للدولة الذي جرى تمويله من الإصدار النقدي الجديد وما ترتب على ذلك من
اختلالات
انعكس سلبيًا على مستوى معيشة المواطن اليمني؛ بسبب انخفاض دخول الأفراد من إجمالي الدخل القومي وبسبب
تراجع دور
الدولة الاستثماري والتنموي واستئثار النفقات الجارية بالجزء الأكبر من النفقات العامة في الوقت نفسه
أحجم
القطاع الخاص عن القيام بدوره في الإسهام والقيام باستثمارات واسعة.
أ- تدهور مؤشرات الأداء المالي:
شكل عجز الموازنة العامة خلال المدة (1990 - 1994م) أحد أهم ملامح الأزمة الاقتصادية والمالية التي
شهدتها اليمن
طريق تلك المدة لكبر حجمه وتزايد معدلات نموه وطبيعة تمويله، فقد اتسمت تلك المدة باتباع الحكومة سياسة
اتفاقية
توسعية تضاعف حجم النفقات العامة؛ الأمر الذي أدى إلى تضخم النفقات الجارية لترتفع نسبتها إلى إجمالي
النفقات
العامة.
كما استحوذ بند الأجور والمرتبات وما في حكمها على النصيب الأكبر من إجمالي النفقات الجارية بينما ظل
نصيب
النفقات الاستثمارية متواضعًا مقارنة بإجمالي النفقات الجارية.
في حين تميزت الإيرادات العامة بالجمود النسبي خلال تلك المدة بسبب ضعف قاعدة مواردها الحقيقية وجمود
الهيكل
الضـريبي وتراجع نصيب الدولة من الإيرادات النفطية، كما أسهمت الأوضاع السياسية والاقتصادية غير
المستقرة في
تواضع حجم الإيرادات العامة، ومن ثَمَّ انخفاض نسبة تغطيتها للنفقات العامة، وهذا ما أدى إلى انعكاسها
على عجز
الموازنة العامة وطبيعة تمويله.
ب- الأهداف العامة لبرامج الإصلاح الاقتصادي [1]:
تحددت الأهداف العامة لبرنامج التصحيح الاقتصادي في هدفين رئيسين هما:
- – إيقاف تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي واستعادة التوازن الاقتصادي عن طريق تنفيذ حزمة واسعة وشاملة
من
السياسات والإجراءات في الجوانب المالية والنقدية.
- – إعادة هيكلة الاقتصاد وتغيير وظيفة الدولة ودورها في إدارة الاقتصاد الوطني مقابل توسيع نطاق
الدور
الاقتصادي للقطاع الخاص؛ للإسهام بدور أكبر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عن طريق
سن
التشـريعات والقوانين والسياسات والإجراءات الهادفة إلى خلق بيئة مواتية للاستثمار وإعداد الاقتصاد
لتحقيق
وتيرة نمو مستدام تعمل في الوقت نفسه على تهيئة الظروف المناسبة للقطاع الخاص؛ ليكون محركًا للنشاط
الاقتصادي.
ج- مراحل برنامج الإصلاح الاقتصادي:
يمكن تقسيم مراحل برنامج الإصلاح الاقتصادي زمنيًا إلى مرحلتين أساسيتين: بدأت الأولى في مارس 1995م
وامتدت حتى
أكتوبر 2000م، وفي المرحلة الثانية تواصلت خطوات الإصلاح الاقتصادي والإداري (2003 - 2005م).
أ- المرحلة الأولى (مارس 1995م - أكتوبر 2000م):
بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي فعليًا مع إصدار الحكومة في مارس (1995م) جملة من القرارات
والإجراءات
المالية والنقدية، وقد جرى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في هذه المرحلة خلال مدتين زمنيتين رئيستين:
ركزت
المدة الأولى على جوانب التثبت الاقتصادي واستعادة التوازن الاقتصادي (1995 - 1997م)، فيما اهتمت المدة
الثانية
بجوانب الإصلاحات الهيكلية (1997 - 2000م)، في هذه المدة نفذت مجموعة واسعة من الإجراءات والقرارات
تناولت فيه
الجوانب المالية والنقدية والقطاع الخارجي؛ وذلك بغرض تحقيق هدف رئيس يتمثل في استعادة التوازن
الاقتصادي وتحقيق
الاستقرار الاقتصادي عن طريق السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة واحتواء عجز الموازنة العامة للدولة
وعجز ميزان
المدفوعات وخلق التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي.
الفترة الأولى: السياسات والإجراءات (المالية) لتحقيق التثبت واستعادت التوازن الاقتصادي (1995-1997)
- تقييد وتقليص الإنفاق العام بنوعيه الجاري والاستثماري وترشيده، وذلك عن طريق إصدار عدد من القرارات
المتعلقة بترشيد الإنفاق على شراء السيارات والأثاث وعملية التوظيف والسلع الكمالية والحد من
التوظيف الجديد
في وحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط.
- رفع الدعم على السلع الأساسية (الأرز، السكر، القمح، الدقيق).
- إجراء عدد من التعديلات السعرية للمشتقات النفطية لتصحيح التشوهات الاقتصادية في أسعار هذه المشتقات
والغاز.
- التحول من التمويل التضخمي لعجز الموازنة إلى التمويل عن طريق الدين العام الداخلي عن طريق إصدار
أذونات
الخزانة وإعادة جدولة المديونية الخارجية لليمن لتخفيف أعباء خدمات الدين الخارجي.
الفترة الثانية: تعزيز التثبت الاقتصادي والبدء بإصلاحات الهيكل (1997-2000)
توصلت الحكومية اليمنية إلى اتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين لمواجهة عملية التصحيح الاقتصادي في
إطار
برنامج الصندوق، لتسهيل التمويل الموسع (EFF)، ولتسهيل تمويل التكيف الهيكلي المعزز (ESAF) الذي تحول
إلى ما
يعرف بتسهيل التخفيف من الفقر وتعزيز النمو (PRGF) وكذلك في إطار فرص الإصلاح المالي (FSAC).
1- الأهداف المالية الرئيسة في هذه المرحلة:
- – توسيع نطاق إجراءات التصحيحات الهيكلية كمًا وكيفًا لتوفير بيئة مناسبة تساعد على قيام القطاع
الخاص
بالدور الرئيس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- – تقوية هيكل الموازنة العامة والحفاظ على مستوى العجز عند مستوى ح % من الناتج المحلي الإجمالي.
- – تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية ورفع مستوى نصيب الفرد من الدخل القومي.
2- نتائج المرحلة الأولى (1995-2000):
حققت المرحلة الأولى العديد من النتائج الإيجابية (المالية) أبرزها ما يلي:
- – زيادة حقيقية في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بسبب نمو الناتج المحلي الإجمالي.
- – حققت الإصلاحات المالية الهدف الرئيس المتمثل في انخفاض نسبة عجز الموازنة العامة للدولة، كما جرى
تمويل
العجز بالكامل من مصادر حقيقية تتمثل في بيع أذون الخزانة وتحقيق فائض في الموازنة العامة بسبب
ارتفاع أسعار
النفط عالميًا الذي يوضح مدى ارتباط موقف الموازنة العامة والإيرادات النفطية وحساسيتها لتقلبات
أسعار
النفط.
ب- المرحلة الثانية من الإصلاحات (2001-2005):
- ركزت الأهداف (المالية) لهذ المرحلة في تأمين الاستقرار المالي والحفاظ على عجز الموازنة في الحدود
الآمنة
وتطوير
هيكل الموازنة العامة للدولة وإطارها العام وتطوير منظومة القوانين المالية (القانون المالي)، قانون
المناقصات
والمزايدات الحكومية وإعداد دليل النظام المالي والمحاسبي الموحد [2].
- زادت إجمالي النفقات العامة إلى إجمالي الإيرادات العامة فحول الفائض لعجز بالموازنة العامة.
- زادت الإيرادات العامة النفطية بسبب الارتفاع في أسعارها عالميًا في حين حققت الإيرادات الضـريبية
الغير
مباشرة، وكذلك الإيرادات الجارية الأخرى نموًا متواضعًا ويعود النمو المتواضع للإيرادات العامة
الغير
النفطية إلى تأخر تنفيذ الإصلاحات المالية لاسيما الهيكلية والمؤسسية وكذلك تأجيل تطبيق قانون
الضريبة
العامة على المبيعات [3].
- رفع الدعم جزئيًا عن المشتقات النفطية، تعديل هيكل التعرفة الجمركية وتخفيضها؛ بهدف تصحيح اختلالات
الموازنة.
- زادت نسبة النفقات العامة الجارية من إجمالي النفقات العامة كما زادت النفقات الاستثمارية
والرأسمالية
لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
- دأبت الحكومة في تلك المدة على فتح اعتمادات إضافية سنوية للموازنة العامة للدولة بسبب الفائض
المتكون من
ارتفاع أسعار النفط، ولتلك الاعتمادات الإضافية جوانب سلبية يأتي في مقدمتها تشويه عملية تخصيص
وانخفاض
مستوى الشفافية، ومن ثَمَّ تدني كفاءة إدارة النفقات العامة، فيما كان ينبغي إنشاء صندوق احتياطي
يستوعب
الزيادة السعرية للنفط؛ بحيث يجري تمويل الموازنة في حالة العجز منه وذلك لم يتم طيلة سنوات المرحلة
الثانية[4].
- بالرغم من النتائج الإيجابية التي تحققت في هذه المرحلة إلا أن سياسات وإجراءات الإصلاح الاقتصادي
والمالي
والإداري اتسمت خلال هذه المرحلة بالبطء في تنفيذها، سواء في جوانب الإصلاحات الهيكلية أو الإصلاحات
الإدارية بسبب التطورات المحلية والإقليمية والدولية[5].
د- أبرز المؤثرات في مسيرة الإصلاحات:
- عدم وجود آليات مراقبة ومتابعة فاعلة لتنفيذ سياسات وإجراءات عملية الإصلاح وتقييم نتائجها أولًا
بأول
وتصويب اتجاهاتها.
- تدني مستوى التنسيق بين الوزارات وبين الوزارات وفروعها.
- عدم التنسيق بين برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري وتبرز هذه الظاهرة في عدم
التعامل بين
إصلاحات الموازنة العامة للدولة وبين عملية توجهات الدولة نحو اللامركزية من جانب، وبرامج وسياسات
إصلاح
الخدمة المدنية من جانب آخر[6].
- لم تعد مصفوفة متكاملة للإجراءات والسياسات التي جرى تنفيذها وجدولة تنفيذها زمنيًا.