الرؤية المستقبلية لإصلاح القانون الإداري في اليمن
لقد سبق التعريف بالقانون الإداري بأنه القانون الذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطة عامة، فالمفهوم العضوي للقانون الإداري يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة سواء كانت إدارة مركزية أو غير مركزية، كما أن المفهوم الموضوعي يهتم بالجانب الوظيفي المتعلق بالنشاط أو الوظيفة الإدارية للدولة، لذلك تُعد الوظيفة العامة والسلطة المركزية واللامركزية من أهم الموضوعات التي يتولاها القانون الإداري، وينظم هذه المواضيع في اليمن كما ذكرنا ذلك سابقًا تشـريعات الخدمة المدنية وفي مقدمتها قانون الخدمة المدنية رقم (19) لسنة 1991م ولائحته التنفيذية، وقانون نظام الوظائف والأجور والمرتبات رقم (43) لسنة 2005م ولائحته التنفيذية، وهذه التـشريعات تنظم الوظيفة العامة.
بينما تشـريعات الإدارة المحليـة تنظم السلطة المركزية واللامركزية للدولة، من حيث إنشاء المحافظات والمديريات، وطرق تعيين المحافظين ومديري المديريات، ومشاركــــــة أفـــــراد المجتمـــــــع في ذلك، وعلــــى رأس تلك التـشريعات قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000م.
كما أن المهام والاختصاصات للجهات الإدارية في الدولة تتحدد غالبًا في اللوائح التنظيمية التي تصدر من رئيس الجمهورية، مع ملاحظة أن العديد من الجهات الإدارية تمارس مهامها واختصاصاتها وفقًا للواقع والأعراف الإدارية دون وجود لوائح تنظيمية، الأمر الذي يؤدي إلى التضارب في الاختصاصات وعدم وضوح المهام والصلاحيات لكل جهة إدارية.
وتسعى الحكومة حاليًا من خلال الرؤية الوطنية [1]، إلى حصـر كافة الجهات الحكومية ومعرفة الجهات التي توجد لديها لوائح تنظيمية والجهات التي لا توجد لديها لوائح تنظيمية وأسباب ذلك، وتعمل على إعادة بناء وتطوير هياكل وأنظمة الأجهزة الحكومية، وتقييم الأداء المؤسـسي لوحـدات الخدمات العامة.
وهذا يتطلب إصدار قانون ينظم الجهاز الإداري للدولة ووحدات القطاع العام والمختلط وفق رؤية حديثة تقوم على مبدأ الشفافية، لذلك لابد للحكومة أن تسعى جاهدة إلى تنفيذ الرؤية الوطنية، وهو ما يتطلب معها إصلاح منظـومة التشـريعات الإداريـة بحيث يتم تعديل التشـريعات الإدارية الحالية وعلى رأسها قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، وقانون نظام الوظائف والمرتبات والأجور ولائحته التنفيذية وفق خطط ودراسات مسبقة، وكذا إعداد نظام تقييم الأداء المؤسسي.
إضافة إلى ذلك عليها استكمال البناء التشـريعي والتنظيمي للجهات التي لا توجد لديها لوائح تنظم عملها، على أن يتم مراجعة القوانين واللوائح التنظيمية الحالية بما يضمن إزالة التكرار والتداخل والازدواج في المسؤوليات والوظائف.
إصدار تشـريعات إدارية تنظم عملية الترشيح والاختيار والتعيين لشاغلي وظائف الإدارة والسلطة العليا، ووضع قواعد صارمة لعمليتي التقييم والمحاسبة[2].
وضع استراتيجية وطنية تهدف إلى تنمية الموارد البـشـرية وتأهيلها ورفع مستوى أدائها وكفاءتها وتنمية المهارات الفنية والوظيفية بما من شأنه تلبية الاحتياجات الفعلية.
ووضع نظام حديث للأجور والمرتبات بما يتلاءم مع التغييرات الاقتصادية.
تطوير وتنمية استخدام تكنلوجيا المعلومات في استكمال قاعدة بيانات موظفي الدولة، والعمل على التحول نحو تطبيق الحكومة الإلكترونية، بما يُعزز دعم وتنشيط الخدمات الحكومية وزيادة كفاءة وفاعلية أدائها.
تفعيل قانون السلطة المحلية بما يضمن انتخاب المحافظين من قبل المواطنين في المحافظة، وتعديل تشريعات السلطة المحلية بما من شأنه منح صلاحيات أوسع للسلطات المحلية.
من المعلوم أن اليمن تُعد من الدول النامية، لذا فإن الإصلاح الإداري يمثل تحديًا حقيقيًا لها، وهي عملية لابد منها للإسراع في عملية التنمية، فإذا ما بدأت بها فإنها لا تنتهي، فهي حركة دائمة متجددة، فالإصلاح الإداري في اليمن يُعد ضرورة، وحالة مستعجلة لمعالجة الاختلالات والتوجه للتنمية.
فهناك العديد من الأسباب التي تدعو لعملية الإصلاح الإداري، من هذه الأسباب:
فالإصلاح الحقيقي لابد أن يبدأ بتشخيص الوضع الراهن للوقوف على نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، ثم وضع وتنفيذ البرنامج الملائم للإصلاح، ثم إجراء عملية تقييم النتائج وتقويمها.
فتشخيص الوضع الإداري الراهن ينطلق من الواقع السياسي وضرورة توفر الرغبة لدى القيادة السياسية للإصلاح الإداري، يرافقها دعم شعبي للعملية.
وفي اعتقادنا أن رغبة القيادة السياسية في عملية الإصلاح الإداري متوافرة مع الدعم الشعبي بدليل صدور الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وكذا مدونة قواعد السلوك الوظيفي.
ثم يتم تشخيص واقع الموارد البشـرية من خلال التعرف إلى حجم هذا الكادر ومستوى تأهيله العلمي والفني وتدريبه وعملية تعيينه وتقييمه، ونظام الأجور والمرتبات. كما يشخص الواقـع الاجتماعي لمعرفة مقدار النمو الديمغرافي ومعدلات البطالة ونسبة الأمية.
إضافة إلى ما سبق لابد من تشخيص الواقع القانوني لمعرفة مدى موائمته للتغيرات ومدى فاعليته، ومعرفة طبيعة الوظيفة العامة، ومدى مرونة وتطور القوانين والأنظمة التي تحكم النظام الإداري.
كما يتم تشخيص الواقع الوظيفي لمعرفة درجة الفساد الإداري ومستوى البيروقراطية[3]. بعد عملية تشخيص الواقع يأتي دور وضع البرامج والاستراتيجيات والسياسات متضمنة آليات تنفيذها.
من خلال ما سبق يمكن اقتراح ثلاثة مداخل لتحقيق الإصلاح الإداري، وذلك على النحو الآتي:
إذا كانت هذه هي رؤيتنا المستقبلية للإصلاح الإداري في اليمن، إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تعرقل عملية الإصلاح الإداري، نذكر منها: