بعض التجارب الدولية في الإصلاح الإداري
تخلت دول عدة عن التسيير التقليدي للقطاع العام، القائم على مبادئ البيروقراطية وعدم المرونة، من خلال الإصلاحات التي أدخلتها على أجهزتها الإدارية، فتحولت من النموذج البيروقراطي إلى نموذج إداري جديد يسمى الإدارة العامة الجديدة، التي تُعرف أنها: مجموعة عناصر مستحدثة لتسيير الإدارات العامة، من خلال إدراج مفهوم الأداء والجودة.
ومن أهم مبادئ هذه الإدارة تركيزها على كفـاءة المـوارد البـشرية، وتكيفهـا المستمر مع المتغيرات البيئية الديناميكية والظروف المفاجئة وابتعادها عن الطابع البيروقراطي، والعمل على تحسيس الموظف العام بالمسؤولية، واستخدامها تكنلوجيا المعلومات والاتصال، وتوجهها نحو اللامركزية الإدارية.
وتجربة الإصلاح الإداري قامت به دول عدة على الصعيد الإقليمي والعالمي، كـنيوزلندا وبريطانيا ومصر والكويت، وهو ما سنتناوله خلال مطلبين، وذلك على النحو الآتي:
قامت نيوزلندا بعملية إصلاح إداري وسياسي واقتصادي، حيث أعادة هيكلة القطاع العام والوظيفة العامة، بعد ما عانى هذا القطاع من العديد من المشكلات الاقتصادية المتمثلة بتضخم عدد الموظفين في ظل شروط عمل جامدة، والافتقار للأداء، بالإضافة إلى البيروقراطية الجامدة، حيث كان مجلس الخدمة العمومية هو المعني بتوظيف الموظفين وتعيين المسؤولين والمديرين، فقد كان ينظر للوظيفة العامة على أنها تقوم على نظام السلك الوظيفي وتقدم مزايا بحسب الأقدمية، إلا أنه في العام 1984م نفذ حزب العمل العديد من الإصلاحات التي أثرت في هيكل الإدارة والوظيفة العامة وفي مختلف السياسات الاجتماعية، حيث أنشئت وحدات للأنشطة التجارية ووحدات للخدمات باعتماد اللامركزية الإدارية، وعلى المستوى المركزي تتولى الخزينة العامة إدارة الأداء المالي.
إضافة إلى ذلك أصدرت الحكومة في العام 2005م قواعد السلوك، التي ترتكز عليها قيم الوظيفة العامة، حيث تتضمن هذه القواعد العديد من المبادئ، منها: النزاهة والصدق واحترام الزملاء والمواطنين، والفصل بين الأنشطة الخاصة والعامة، والاحتراف والتكامل.
مما سبق نجد أن لجنة الخدمات العامة في نيوزيلندا أصبحت هيئة مسؤولة عن إعداد القواعد والمبادئ المتعلقة بالوظيفة العامة.
فالهدف من إجراء الإصلاحات الإدارية هو دعم وتطوير الأداء الوظيفي وتعزيز المرونة في استخدام الموارد، لذا منحت الحكومة سلطات واسعة للمديرين، كما سمحت لهم بتطوير نماذجهم الخاصة التي تلبي احتياجاتهم الخاصة.
كما يظهر أن التشـريعات الإدارية وعمليـة تحديثها وتعديلاتها المتكررة كان لها دور في عملية الإصلاح الإداري الذي قامت به نيوزيلندا، ولولا هذه الإصلاحات التشـريعية ما تحقق النجاح لعملية الإصلاح الإداري.
عملت بريطانيا العديد من الإصلاحات الإدارية، لعل أهم هذه الإصلاحات ما قامت به في العام 1979م في ظل حكومة (مارجريت تتشـر)، حيث عرف القطاع العام سياسات إدارية جديدة، هدفت إلى القضاء على النظام البيروقراطي وتقليص نفقات الدولة، وتغيير هياكل الأجهزة الإدارية، والاعتماد على الخصخصة والنظام التعاقدي، والاهتمام بالمواطنين وتحسين الخدمات المقدمة لهم، وخلال العام 1988م أنشأت لجنة لتفعيل الأجهزة الإدارية، التي أوصت بإنشاء ما سمي بالوكالات، حيث تتولى كل وكالة تقديم خدمات عامة للمواطنين.
فالملاحظ أن عملية الإصلاح الإداري في كل من نيوزلندا وبريطانيا قد شملت العديد من العناصر، أهمها ما يلي:
ارتكزت تجربة الإصلاح الإداري في مصـر بشكل أساسي على الإدارة العامة الجديدة، حيث تُركز على النتائج وليس على القواعد وعلى التوجيه أكثر من التنفيذ، فقد بدأت الحكومة المصـرية بتنفيذ برنامج الخصخصة للشـركات العامة منذ العام 1991م، ونفذت خطة التطوير الإداري خلال المدة من عام 1992م حتى العام 1997م، فتحول دورها من دور المانح والمرخص إلى دور الميسـر والمعاون، كما عملت بعد ذلك على إعادة صياغة مهام الجهاز الإداري، مما أدى إلى تقلص دور الجهاز الإداري في الأنشطة الاستراتيجية مع تشجيع القطاع الخاص على الإنتاج وتقديم الخدمات المختلفة[3].
كما أنه خلال العام 2008م وفي إطار عملية إصلاح نظام الخدمة المدنية طُرح مشـروع جديد لقانون الخدمة المدنية إلا أن هذا المشـروع لاقى رفضًا، وفي العام 2014م بدأت مرحلة جديدة لإصلاح منظومة الخدمة المدنية، ثم في العام 2015م صدر قانون جديد للخدمة المدنية برقم (18)، إلا أن هذا القانون أوقف من قبل مجلس النواب، وفي العام 2016م صدر القانون رقم (81) ولائحته التنفيذية، بالإضافة إلى صدور قرارات عدة تتعلق بالحوافز والمكافآت، ومجموعة من المعاير المرتبطة بالتوظيف والترقية[4].
أما في إطار الإصلاح الإداري في قطاع الإدارة المحلية نجد أن هناك تطورات غير مسبوقة في الدستور المصـري لعام 2014م، حيث دعم هذا الدستور التحول التدريجي نحو اللامركزية المالية والإدارية وتوفير مقاعد للفئات المهمشة، مما يمكن المواطنين بمختلف شرائحهم في التمثيل المحلي وتشكيل المجالس المحلية، حيث أورد الدستور أحكامًا تتعلق بالإدارة المحلية وغير مسمى المجالس الشعبية المحلية إلى مجالس محلية، وهذا الوضع الدستوري يحسب لصالح الإصلاح الإداري في مصر.
عطفًا على ما سبق يمكننا القول: إن تحديث منظومة التـشريعات الإدارية أسهمت بشكل أو بآخر في عملية الإصلاح الإداري واستمراره باستمرار تحديث هذه التشـريعات، فالعلاقة بينهما طردية، فكلما حصل تحديث وتطوير للتشـريعات الإدارية وفقًا للمصلحة العامة يحصل معه بالضـرورة عملية تطور في عملية الإصلاح الإداري.
وقد شمل برنامج الإصلاح الإداري في مصر العديد من المحاور الهامة [5]، منها:
مع ذلك فالملاحظ أن تجربة الإصلاح الإداري في مصر تواجه مشكلات عدة، منها:
إن من أبرز محاولة الإصلاح الإداري في الكويت كانت من العام 2009م حتى العام 2014م، حيث عرفت هذه المدة بخطة التنمية الخمسية، وكانت من أهم أهدافها:
إضافة إلى ذلك اشتملت الخطة على عدد من السياسات الهادفة إلى إصلاح الإدارة العامة، أهمها:
إنشاء وتأسيس معاهد متخصصة للتخطيط والإحصاء، ودعمت عملية التخطيط، كما نشـرت ثقافة التخطيط وأعدت دليل علمي للتخطيط، وفعلت إدارة التخطيط في الجهات الحكومية ودربت الكوادر الفنية في هذه الإدارات، وعملت على تطوير بنوك المعلومات والخدمات الإحصائية بما في ذلك نظام معلومات الخدمة المدنية.
أما في مجال سياسات مجتمع المعلومات، فقد أعادت هيكلة قطاع المعلومات والاتصالات، وأصدرت تشـريعات جديدة تنظم الاتصالات، كما حدثت البنية التحتية للاتصالات والمعلومات، وخصخصة بعض خدماته.
حيث أصدرت القانون رقم (37) لسنة 2014م الذي أنشأت بموجبه هيئة عامة لتنظيم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة وباستقلال مالي وتتولى العديد من المهام، منها تنظيم خدمة شبكة كافة الاتصالات وتشجيع المنافسة والاستثمار في قطاعي الاتصالات وتقنية المعلومات.
أما في مجال الإدارة المحلية وتوزيع الصلاحيات فقد أصدرت الكويت القانون رقم (33) لسنة 2016م بشأن بلدية الكويت، الذي تضمن بعض الإصلاحات المتمثلة في عملية انتخاب المجلس البلدي الذي يتكون من ستة عشـر عضو منهم عشـرة يتم انتخابهم بحيث يمثل كل دائرة عضو وستة يتم تعينهم.
وقد نظم هذا القانون صلاحيات المجلس البلدي التي منها: وضع القواعد الخاصة بحقوق الملكية والانتفاع بالأراضي والطرق الخاصة المستقطعة من العقارات، كذلك التقرير بإنشاء المدن والقرى والضواحي والمناطق والجزر والطرق والشوارع والميادين والأسواق والمسالخ والمقابر.
من خلال ذلك يتضح أن التـشريعات الإدارية كان لها دور في عملية الإصلاح الإداري في الكويت عبر الحد من السلطة المركزية ومنح صلاحيات أوسع للسلطة المحلية.
نتناول في هذا المحور نماذج من تجارب إصلاح القانون الإداري في عدد من الدول العربية والغربية وفقًا لما يلي:
نتناول هنا عدد من التجارب للدول عربية: لا شك أن هناك إجماع في الدول العربية على تميز نظام الإدارة العامة، في كل من تونس والأردن والكويت.
1- لا يختلف الوضع القانوني في تونس كثيرًا عما عليه الحال في مختلف دول العالم من حيث تضخم التشـريع وتشعبه وتعقيده سيما بعد موجة التشـريع التي تعيشها بلادنا اقتضاءً لمتطلبات التنمية والانفتاح الاقتصادي.
2- خلال العقدين الأخيرين تأكدت الرغبة في إصلاح الإدارة ومصالحتها مع المواطن وتطوير التـشريع لما في ذلك من ضمانة لحقوق الفرد ومن فائدة في تطوير المجتمع وتنميته.
3- انطلقت أولى المبادرات في مجال الإصلاح التشـريعي منذ التسعينيات بعقلنة التشـريع (أ) لتنتهي في ظل المبادرة الإقليمية العربية للإدارة الرشيدة لخدمة التنمية التي تدعمها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى العمل على جودة الصياغة التشريعية (ب).
تندرج محاور الإصلاح والعقلنة التشـريعية في تونس في إطار برنامج الإصلاح الشامل الذي تبنته تونس منذ سنة 1986م، في تطوير التشريع، وتنظيم التشريع وتبسيطه.
1- تطوير التشريع: من خلال إخضاع القانون إلى الرقابة من حيث دستوريته من خلال إحداث المجلس الدستوري سنة 1987م، إصدار عديد من التشـريعات مواكبة لتطور الحياة والرقي الحضاري وانفتاح العلاقات بين البلدان، وتيسير الإجراءات بإلغاء القيود الإدارية واختصار الإجراءات وآجالها وذلك في جميع قطاعات الدولة المختلفة.
2- تنظيم التشريع وتبسيطه:
تنظيم التشريع: من خلال:
1-تم سنة 1993م إحداث مركز الدراسات القانونية والقضائية وهو مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية تحت إشراف وزارة العدل وحقوق الإنسان وهو مرصد وطني للتشـريع. من ضمن مهامه جمع النصوص القانونية الجاري بها العمل وتحيينها وترجمتها ونشـرها. ومختلف الوثائق وتيسير الاستفادة منها.
2- تم سنة 1996م إحداث المجلس الأعلى لتنظيم الأحكام التشريعية الجاري بها العمل، للسهر على عملية تنظيم وتجميع النصوص الجاري بها العمل، وتحيينها وتهذيب مصطلحاتها بتخليصها من العبارات غير السليمة التي فقدت صلتها بالواقع، سواءً لكونها دخيلة أو لارتباطها بنظم وأوضاع سياسية وإدارية متقادمة، وعند الاقتضاء توضيح أحكامها بإعادة صياغتها دون مساس بمضمونها.
3- سنة 2003م، تم إحداث المجلس الوطني لتنظيم الأحكام التشـريعية الجاري بها العمل، عوضًا عن المجلس الأعلى، مع إسناد الكتابة العامة لهذا المجلس إلى مركز الدراسات القانونية والقضائية.
1- نشـر القوانين والمراسيم والأوامر والقرارات وجوبًا باللغة العربية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية - الجريدة الرسمية في اليمن -، كما يجب نشـرها بلغة أخرى على سبيل الإعلام. أما المناشير فلا يتم ادراجها بالرائد الرسمي إلا بعد مصادقة الإدارة العامة للحكومة، وإذا كانت عامة تهم المتعاملين مع المصالح الوزارية أو تتعلق بعدة وزارات.
2- أمر سنة 1993م أحدث نظامًا للاتصال والإرشاد الإداري بمصالح الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العموميـة، يحتـوي على جميـع المراجـع القانونيـة والترتيبيـة، وعلى كافة الإجراءات اللازمة للحصول على كل خدمة إدارية مدرجة بهذا النظام. ويقع ضبط قائمة الخدمات الإدارية والإجراءات اللازمة للحصول عليها بقرار من الوزير المعني.
3- تسهم المؤسسات العامة في تبسيط وايصال القوانين إلى إدراك المعنيين بها، بإجراء ملتقيات وندوات علمية وموائد مستديرة تساعد على فهم القانون وحسن تطبيقه.
تدرك تونس أهمية الصياغة القانونية وضرورتها كأداة للسياسة العامة وكرافد من روافد التنمية والأمن القانوني لذلك فهي جادة في توفير الهيكل والإجراء الملائم لتأهيل إطاراتها وتكوينهم على وضع التشـريع الجيد وذلك من خلال: إحداث كلا من: مركز مختص في الصياغة القانونية (مركز الدراسات القانونية والقضائية)، الشهادة الوطنية للماجستير المهني في تحرير النصوص القانونية وترجمتها.
1- يتوفر مركز الدراسات القانونية والقضائية المحدث منذ سنة 1993م على الخبرات القانونية اللازمة والكفاءات التي أظهرت إمكانيات وخبرات جيدة في مجال صياغة القانون.
2- من مهام المركز وفق قانون إنشائه: القيام بالدراسات من أجل تطوير التشـريعات الوطنيـة، ودراسة المسائل القانونية الهامة المتعلقة بتطبيـق التشـريعات، بطلب من الجهات الحكومية المعنية.
3- للمركز التعاقد مع أصحاب الخبرة والكفاءات من قضاة وجامعيين ومحامين ومساعدي قضاء لإنجاز خدمات بمقابل، في نطاق مشمولاته المتعلقة خاصة بالتشـريع العام وبالبحوث في الميدان.
4- يطمح المركز إلى أن يصبح مركزًا إقليميًا في عملية وضع التشـريعات الجيدة وهو بصدد إجراء الدراسات اللازمة للغرض بالتعاون مع مكتب دراسات كندي مختص.
الشهادة الوطنية للماجستير المهني في تحرير النصوص القانونية وصياغتها
تمت بلورة الفكرة وتجسيدها على الصعيد القانوني بمقتـضى قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي المؤرخ في 25/03/2008م المتعلق بضبط نظام الدراسات والامتحانات المطبق بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
عالجت الهيئة المركزية للإصلاح الإداري في الأردن في مدة سابقة اعادة تنظيم الدوائر الإدارية وتحديد مهامها وصلاحياتها بغية القضاء على تشابك الصلاحيات وتداخلها. وتعتبر أهم التغيرات التي تناولها الإصلاح الإداري تقع في حقل التوظيف وضبط أمور الموظفين في أنظمة الخدمة المدنية، حيث عملت هذه الأنظمة على تسيير أمور الموظفين، ووضع أسس لتعيين وترقية الموظفين.
غير أن هناك عيبًا خطيرًا في اصلاح أنظمة الموظفين وهو عدم حل مشكلة الرواتب، فإن الإصلاح الإداري أغفل هذه المشكلة الخطيرة لأن هناك اعتقادًا سائدًا أن رواتب موظفي الحكومة قليلة، وهي أدنى بكثير من رواتب الموظفين في المؤسسات غير الحكومية، وهناك دلائل تشير إلى أن الحكومة قد بدأت تشعر بوطأة المنافسة بينها وبين هذه المؤسسات في الحصول على هذه القلة من الأشخاص الأكفاء المدربين، ولم تجدي أية محاولة لتبرير هذا الوضع أو اصلاح الخطأ فيه، ومما يؤسف له جدًا أن الرواتب في الأردن لا تتلاءم مع الواجبات والمسؤوليات والمهام الملقاة على عاتق الموظف، ذلك لأن جدول الرواتب يقوم على أساس من التصنيف غير الصالح حيث نجد أن الوظائف مصنفة تصنيفًا اعتباطيًا بالنسبة إلى فئات، وفي هذا شيء من القلق الذي يسبب تذمرًا في صفوف الموظفين.
ويعد أهم حدث اصلاحي في أنظمة الموظفين هو إنشاء هيئة مستقلة تدعى ديوان الخدمة المدنية تُعنى بتعيين موظفي الدوائر الحكومية على أسس معتمدة من رئاسة الوزراء، وإذا كان هناك عيوب في السابق كانت من نواحي كثيرة أنظمة لا بأس بها، وإذا كان هناك من عيوب أو أخطاء في قضايا التوظيف والموظفين فإنما مردها في أكثر الأحيان إلى عدم تطبيق القوانين والأنظمة تطبيقًا صارمًا. وكانت كل وزارة تعالج أمور موظفيها بطريقة مستقلة عن سائر الوزارات مما أسفر عن انعدام الانسجام وتضارب الصلاحيات وتشابكها بشكل يدعو إلى الدهشة، لما في ذلك من بذل جهود ضائعة، وأخطر منه هو أن الوزارة كانت دومًا عرضة للتأثير والضغط السياسي من جانب المجلس النيابي ومن الرأي العام.
وقد أعطى ديوان الخدمة المدنية صلاحيات واسعة منها تدريب الموظفين، وتعبئة الأشخاص الصالحين للتوظيف، وتحضير الامتحانات والاشراف عليها، واعداد قوائم بالأشخاص المؤهلين للتوظيف والموافقة على كل تعيين في أية وظيفة من وظائف الدولة. ومن الاصلاحات الحميدة في هذا الحقل أيضًا إنشاء معهد الإدارة العامة التابع لوزارة تطوير القطاع العام، ويعني هذا المعهد:
لذا نجد جهود ومحاولات الحكومة هي نتيجة للشعور بضـرورة اصلاح الإدارة اصلاحًا جذريًا وهي تدرك في الوقت ذاته أنه ينقصها الاخصائيون الأكفاء في علم الإدارة والهيئـات الضـرورية للقيام بإصلاح كهذا.
لذا نعتقد أن الإصلاح الإداري لا يخرج عن كونه مظهرًا من مظاهر التنمية الشاملة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لذا يتطلب الإصلاح الإداري بالإضافة إلى اعداد القادة تحقيق تطوير فكري وثقافي عند الموظفين وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التطوير الثقافي العام واعداد الأجيال القادمة.
وقيام جهاز إداري في أعلى المستويات أمر تحتمه الحجة إلى وجوده لكي يضطلع بمراقبة الأوضاع السائدة في الإدارة وتتجمع في اطاره سائر المعلومات المتصلة بها، ولا شك في أن عدم وجود جهاز كهذا من شأنه أن يترك الأمور إلى مشيئة القدر الذي قد يحركها أو يتأخر في تحريكها.
على أن حتمية وجود الجهاز المشار إليه لا تعني اتفاق سائر الأنظمة على اعتماد نمط واحد بشأنه، فالمثال البريطاني يقوم على وجود «اللجنة الملكية» التي تعمل على أساس التقارير القيمة التي يضعها الخبراء، وقد أدى عملها على مر الزمان إلى مراجعة جدية لهيكلية الخدمة المدنية في بريطانيا.
ارتكزت التجربة السورية على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ثم على المواد البشـرية بإعادة توزيع وإحالة للتقاعد بطرق متعددة، تتمثل في الآتي:
الترشيق هنا استهدف هيكل موظفي الخدمة المدنية، التي وضعها المجلس الأعلى للوظيفة العامة، على مستوى كل وزارة أو هيئة، قام بها (المجلس الأعلى للوظيفة العامة) ويتبعه (المعهد الوطني للإدارة العامة)، و(السجل العام للعاملين في الدولة).
وتتألف هذه الهيئات من المديريات الآتية:
يركز هذا الجزء من الدراسة على عرض موجز لبعض التجارب الدولية في الإصلاح الإداري التي تستهدف تطوير وتحسين الأداء والإنتاجية في أجهزة القطاع العام. ويشمل العرض تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في الميدان تنظيم الجهاز التنفيذي، وميدان مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية كما يشمل العرض (بإيجاز) تجربة كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا.
تتكون هذه التجربة من شقين: الشق الأول يتعلق بتجربة تنظيم الجهاز التنفيذي، والشق الثاني يتعلق بمراجعة أداء الأجهزة في الحكومة الفيدرالية الامريكية كما سيتم ايضاحه.
انصب هذا الجهد على تنظيم الجهاز التنفيذي للحكومة الأمريكية الفيدرالية، وتم بمعرفة ما سمي بـ «لجنة هوفر الأولى (1947، 1949م)». وكان هدف التنظيم دراسة طرق وأساليب الأداء في الأجهزة التنفيذية الفيدرالية، بهدف الوصول إلى تحسين أدائها وترشيد أوجه مصـروفاتها. وتبنى هذا التوجه التنظيمي مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية. كما تم التركيز على جوانب أربعة:
واعتمدت الدراسة على أسلوب فرق العمل المتخصصة والمتنوعة من جهات متفرقة ذات علاقة. وقامت الفرق المتخصصة بتقديم تقاريرها للجنة الرئيسة التي تقود هذه الفرق. وتم التوصل إلى (273) توصية شملت الجوانب الخمسة للدراسة التي سبق بيانها. ومن أهم النتائج والتوصيات التي أفرزتها الدراسة ما يلي:
هدفت هذه التجربة إلى بناء جهاز حكومي قادر على تقديم خدمات عامة متميزة بتكلفة أقل، وتبنت الدراسة مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية، والتركيز على أساليب الأداء والعمليات الإدارية والمعوقات التي تصاحبها. كما ركزت الدراسة على إعادة تشكيل ثقافة المنظمات التنفيذية بما يخدم المستفيدين في المقام الأول.
كما اتبعت الدراسة منهجية قامت على مرحلتين. ففي المرحلة الأولى تم تشكيل فريق عمل لمشـروع الإصلاح مكون من 250 عضو من ذوي الخبرة والتأهيل من الأجهزة العامة وتفرعت عن الفريق الرئيس مجموعة فرق للدراسة. واسند المجموعة من الفرق دراسة الأنظمة والإجراءات والقضايا العامة التي تسير العمل في جميع الأجهزة التنفيذية.
في عام 1990م تبنت كل من كندا ونيوزيلاندا وبريطانيا وأستراليا اصلاحًا إداريًا ركز على مفهوم الإدارة لتحقيق لنتائج وكان هدف مشـروع الإصلاح زيادة الكفاءة والفاعلية في الأداء والإنتاجية في الأجهزة العامة وكذلك تعزيز مبدأ المساءلة أو المحاسبة الإدارية وكان مدخل المشـروع هو الإصلاح الشامل بحيث يتم اعطاءه الصلاحيات واسعة لرؤساء الأجهزة التنفيذية كتلك التي تعطي لرؤساء الأجهزة في القطاع الخاص، وأن تتم محاسبتهم على النتائج لذلك تم مطالبة كل جهاز بثلاثة أمور: