الإصلاح الإداري المفهوم والأهداف
إنَّ الإصلاح الإداري ظاهرة من ظواهر علم الإدارة، والظاهرة ليست منفصلة عن الإدارة العامة، وإنما ترتبط بتطور الدولة ومهامها، فكلما تطورت الدولة نمت الإدارة العامة ووظائفها، وبرز الإصلاح الإداري كأحد عوامل تطور الدولة وتقدمها.
في البداية يجب إيضاح الفرق بين مفهوم الإصلاح الإداري وبعض المفاهيم الأخرى مثل التنمية الإدارية والتطوير الإداري والتحديث الإداري.
التنمية الإدارية: هي عملية تسعى إلى تطوير الجهاز الإداري، وتمكينه من القيام بدوره في إدارة التنمية الشاملة، من خلال زيادة حجم جهاز الإدارة العامة، وعدد القوى البشـرية وتنمية قدراتهم ومهاراتهم؛ بهدف تحسين الخدمات المقدمة»[1]. ، وهو يركز على تنمية الجهاز الإداري والعنصـر البشري لرفع قدراته، وتمثل التنمية الإدارية جزءًا من مهام الإصلاح الإداري.
التطوير الإداري: هي عملية تؤدي إلى التحسين المستمر في أداء الإدارة، بمعالجة مشكلات في الجهاز الإداري؛ نتيجة أمور ومستجدات يجب مواكبتها، وعدم التركيز أو الاهتمام بتنمية علاقات عمل سلوكية وبمعزل عن الإطار البيئي الذي يحكم العملية الإدارية[2]. ، ومن ثَمَّ يعد التطوير الإداري تغييرًا جزئيًا وتحسينًا في الجهاز الإداري، وبهذا يكون ضمن عملية أكثر اتساعًا وشمولًا هي عملية الإصلاح الإداري.
التحديث الإداري: هو عملية تهدف إلى تطوير أو تغيير الأدوات التقنية والنظم؛ بحيث يكون الانتقال من وضع إداري إلى وضع إداري أفضل من حيث تلاؤمه مع التقنيات والأساليب التقنية الحديثة؛ بما يحقق كفاءته وفاعليته في ممارسة العمليات وتسهيلها[3]، والتحديث بمعني التحسين التقني الإداري والتطوير الفني، ويشير إلى الوسائل والأساليب ونمط الثقافة التنظيمية التي تتبناها الدول النامية، التي تماثل تلك الأساليب والوسائل الموجودة في الأنظمة الإدارية للدول المتقدمة، يرتكز على المحاكاة والاقتباس، وتطبيقاته تكون - غالبًا - جزئية؛ ما يجعل هذا التحديث غير شامل ولا هادف، بل يقتصـر على تعديلات هيكلية، ويستخدم أدوات ونظمًا في دول أخرى مع تجاهل للخصائص الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالنظام الإداري السائد[4]، ويركز على تطوير وتغيير الأدوات والنظم دون مراعاة لاختلاف البيئة الاجتماعية.
الإصلاح الإداري: يعرف الإصلاح الإداري بتعريفات عديدة، فمفهوم الإصلاح الإداري في الفكر الغربي هو إحداث تغيير مستمر في هيكل تنظيم الدولة، وهذا المفهوم يعكس الثقافة الإدارية الغربية التي تتصف بصفة أساسية هي التجريبية والبراغماتية [5]، فلا توجد حقائق مطلقة في التنظيم الإداري، بل مجرد افتراضات نظرية قابلة للاختبار؛ لتقرير مدى فاعليتها وصحتها في التطبيق العملي، والفكر الإداري الغربي يؤمن بمبدأ التجربة والخطأ وتغيير النظرة إلى الصواب والخطأ وإلى التنظيم الإداري من مدة إلى أخرى، والتنظيم الإداري يرتكز على دعامتين: أولًا: إقامة الهيكل التنظيمي، وثانيًا: إعادة بناء الهيكل التنظيمي.
ويعرّف مؤتمر الإصلاح الإداري في الدول النامية أنه «حصيلة الجهود ذات الإعداد الخاص، التي تهدف إلى إدخال تغييـرات أساسية في المنظومة الإدارية العامة، بواسطتها تكون إصلاحات على مستوى النظـام ككل» [6].
هناك من يعـرف الإصلاح الإداري أنـه «جهـد سياسـي وإداري واقتصادي وثقافي هادف لإحداث تغييرات أساسية إيجابية في السلوك والـنظم والعلاقات والأساليب والأدوات؛ تحقيقـاً لتنميـة قـدرات وإمكانـات الجهاز الإداري، بما يؤمن له درجة عالية من الكفاءة والفاعلية في إنجاز أهدافه» [7].
كما يعرف الإصلاح الإداري أنه «إدخال تعديلات في تنظيمـات إدارية قائمة، أو استحداث تنظيمات إدارية جديدة، وإصدار الأنظمة والقـوانين واللوائح اللازمة لذلك» [8]، والإصلاح الإداري هو «عملية تغيير مقصود في عمل الأجهزة الإدارية، سواء عن طريق التفسير في التنظيم أم في أساليب العمل أم في سلوكيات العاملين أم في كل هذه معًا»[9].
ونخرج من التعريفات السابقة بأن الإصلاح الإداري عبارة عـن جهـد جمـاعي مـنظم، يهدف إلى إحداث تغييرات هيكلية في الجهـاز الإداري القـائم؛ بهـدف زيـادة فاعليته، بما يتناسب مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والظروف السائدة، عن طريق تحسين أساليب العمل، وتأهيل وتدريب الأفراد الذين يقودون العملية الإداريـة، وتهيئـة البيئـة القانونيـة والتشـريعية المناسبة، التي ترفع من إمكانـات الجهاز الإداري، وتُحسن من مستوى أدائه، فالإصلاح الإداري لا يقتصـر - فقط - على العمليـة الإداريـة الفنيـة، وإنما يشمل التأثيرات المتبادلة مع البيئة الكلية وعلاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبهذا يتجاوز الفهم الجزئي للإدارة المتمثل في إصلاحات هيكلية أو تحديث أجهزة وأنظمة[10].
تظهر تعريفات الإصلاح الإداري في الإدارة المعاصرة أن الإصلاح الإداري تعبير عن الإحساس بالحاجة إلى إحداث تغييرات جذرية تعجز الأجهزة الإدارية ذاتها عن رؤيتها وإحداثها، ويختلف أسلوب تحقيق التغيير باختلاف النظام الإداري، ويوجد مفهومان أو شكلان لماهية الإصلاح الإداري[11].
يرتكز الإصلاح وفق هذا المفهوم على أن الإدارة الحكومية تعمل الإصلاح الإداري من ذاتها، فهي مطالبة بتصحيح أخطائها أول بأول عن طريق التقييم والمتابعة والرقابة، وباتباع الوسائل العملية لتحسين أساليب العمل، وتنظيم خطوات العملية الإدارية، باعتبار أن النشاط الإداري هو نشاط إصلاح لأي من مصادر الخلل التي قد تظهر في مختلف جزئيات العمل.
ويرتكز هذا المفهوم للإصلاح الإداري على ضرورة قيام الإدارة العامة على مبدأ التصحيح الذاتي للأخطاء والتطور مع الزمن، والاستجابة الفاعلة لحاجات المجتمع وأهداف السياسة العامة، وكلما كان هذا هو وضع الإدارة العامة خفت الحاجة إلى فرض أية إصلاحات من خارج الأجهزة الإدارية[12].
ويرى بعضهم ضرورة توافر جملة من الشروط في هذا النموذج من الإصلاح الإداري، أهمها:
قد يحتاج الأمر إلى فرض الإصلاح من خارج الأجهزة الإدارية، والبداية فيه هو الإحساس العام بأن هناك شيئًا في الجهاز الكلي، فيتدخل الإصلاح الخارجي الفوقي إلى ذلك النظام، فالصفـة الأولى المميزة له المفهوم الذاتي هو أنه يأتي من أعلى ومن خارج الأجهزة الإدارية، والإحساس بالحاجة إلى الإصلاح الإلزامي يكون بناء على ملاحظة المجتمع بفئاته المختلفة، وتظهر له عدة دوافع، أهمها:
هنا يكون الإحساس أسهل ودرجة الاقتناع أكبر بوجود المشكلات التي تحتم الإصلاح الإداري، وهكذا فإن فكرة الإصلاح الفوقي لا تأتي إلا من حدث جلل في حياة المجتمع، أما الحاجة إلى الإصلاح الذاتي فهي طبيعية وتلقائية ولا تتطلب تدخلًا خارجيًا فوقيًا في حالة النظام الإداري الناجح والمجتمع المتمدنهنا يكون الإحساس أسهل ودرجة الاقتناع أكبر بوجود المشكلات التي تحتم الإصلاح الإداري، وهكذا فإن فكرة الإصلاح الفوقي لا تأتي إلا من حدث جلل في حياة المجتمع، أما الحاجة إلى الإصلاح الذاتي فهي طبيعية وتلقائية ولا تتطلب تدخلًا خارجيًا فوقيًا في حالة النظام الإداري الناجح والمجتمع المتمدن[15].
ويلاحظ أن قصور النظام الإداري في الدولة النامية وعجزه من الممكن أن يستمر مدة تطول دون ما تظهر الحاجة إلى الإصلاح الإداري في شكل عملي؛ لذا فإنه لا بد من وجود عوامل تدفع الناس إلى الإحساس بالعوارض السلبية القائمة في النظام الإداري وتؤدي إلى تنفيذ الحاجة إلى الإصلاح الإداري[16].
وتظهر هذه العوامل بدرجات مختلفة تتوقف على مدى قوة متطلبات التنمية والتغيير الاجتماعي، هذه المتطلبات تضع أعباء مختلفة ومتسعة على عاتق الأجهزة الإدارية تجعلها عاجزة عن الوفاء بأعبائها دون إحداث إصلاح إداري جذري، ولا بد أن تكون المبادرة للإصلاح من خارج الجهاز الإداري، ثم تسير العملية - بعد ذلك - لتصل إلى الأجهزة الإدارية.
تتفاوت الأهداف المعلنة للإصلاح الإداري، إلا أن الهدف الأبرز لمختلف السياسات هو تعزيز قدرة الأجهزة الإدارية العامة في ميدان وضع السياسات العامة وتنفيذها، بما يضمن تحقيق الكفاية والفاعلية والعدالة والشفافية والخضوع للمساءلة عن الأداء، وتوفير ما يكفي من الحوافز للموظفين الأكفاء لبذل أقصـى طاقاتهم؛ من أجل تحقيق الأهداف المطروحة مسبقًا [17]، ويهدف - إجمالًا - إلى تحقيق غايات سياسية واجتماعية واقتصادية، تتلخص فيما يلي:
يتوقف نجاح جهود الإصلاح الإداري على توافر العديـد مـن العوامـل، نذكر منها ما يلي:
تواجه عمليات الإصلاح الإداري عددًا من العوائق والتحديات، من عوامل إدارية واجتماعية وتشـريعية وموارد بشـرية ومالية، وكذلك عوامل خارجية تعيق تنفيذ البرامج والخطط الموضوعة على أسس علمية سليمة، وتـضمن تحقيق الأهداف التي وضعت من أجلها، ومن العوائق ما يلي: